أخر الاخبار

التأمل أحدث طريقة فعّالة للتخفيف من الآلام و التحكم في شدّتها

كيف يحدث الالم

   الألم، كيف يحدث، ما أسبابه، ما هو البعد الروحاني و الميتافيزيقي للألم، كيف يمكن التحكم في الالم و ترويضه، و غيرها من الأسئلة المختلفة التي لطالما ارتبطت بحس الالم منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا. فقد أُكتشفت الكثير من الأساليب و الأدوية للتحكم في الالم، و وضعت الكثير من التقنيات للتحكم فيه مثل ممارسة التامل.

 و تاريخ التامل طويل و موثق مع مفهوم ترويض الالم، حيث مورس بشكل مكثف لدى الحضارات الأسيوية المتعاقبة و بتقنيات متنوعة و متفاوتة التأثير.

فالالم هو آلية تأقلم حيوية لبقائنا، درع حماية للجسم للحفاظ عليه و على أجهزته المختلفة، فهو يعمل كجهاز طوارئ يعطي إنذارا للجهاز العصبي، الذي ينقل هذا الإنذار للدماغ بمجرد حدوث ضرر ما على مستوى أنسجة الجسم الداخلية أو الخارجية، و ذلك بتمييز أماكن الأنسجة المتضررة بالجسم للقيام برد فعل اتجاه المنطقة المتضررة و عمل صيانة لها.

تخفيف الألم بالتامل لحظة تامل قانون الجذب و توكيدات ايجابية
التخفيف من الالم بالتامل

أظهرت الدراسات أن حس الألم يجمع و بطرق معقدة بين حواسنا و عقلنا. و هذا الالم قد يكون حادا أو خفيفا، متقطعا أو مستمرا، حسب عدة عوامل أهمها العوامل النفسية التي تؤثر في مدى شدة الشعور بالآلام و التفاعل معها. فالآلام الحادة تتسبب في تحفيز الغدة الكظرية على إفراز هرمون الكورتيزول Cortisol الذي يؤدي الى زيادة نبضات القلب، و في بعض الحالات الحادة جدا يزداد شعور التوتر والخوف لدى الشخص المتألم فيؤدي إلى فرط إفراز هرمون الكورتيزول و ارتفاع ضغط الدم.

كيف يحدث الالم في أجسامنا

يحدث الألم على مستوى المستقبلات الألمية المنتشرة في جميع أنحاء الجسم السطحية و الداخلية. فبمجرد تعرض هذه المستقبلات لتحفيز ( حراري، كيميائي، ميكانيكي ) بدرجة معينة ترسل إشارات على شكل نبضات كهربائية عبر الأعصاب نحو الجهاز العصبي المركزي، أين يقوم هذا الأخير بنقل الإشارات العصبية مباشرة الى الدماغ، أو أن يقوم برد فعل عكسي بإرسال الإشارة الكهربائية إلى موقع الالم، فتؤدي إلى تقلص العضلات المحيطة قبل إدراك الدماغ لحس الالم و مصدر حدوثه. 

مثال: حين تضع دون انتباه يديك على مكان ساخن فجأة، مباشرة و بدون وعي منك تقوم برد فعل عكسي يتمثل في سحب يدك، لتشعر بعدها بالالم مباشرة.

الشعور بالأم يكون دائما متفاوتا حسب نوع و منطقة الاصابة، فالنهايات و المسارات العصبية في الجلد تكون أكثر كثافة و قوة في نقل الإشارات العصبية مقارنة مع تلك الموجودة في الأعضاء الداخلية، و التي تكون قليلة و ضعيفة في نقل النبضات الكهربائية. للتعمق أكثر في فهم آلية حدوث الألم اقرأ هذا المقال حول آلية حس الالم.

كيف يحدث الالم في أدمغتنا

   بوصول الإشارة العصبية إلى الدماغ يقوم هذا الأخير بتفسير هذه الاشارة على أنها إحساس بالالم، حينها فقط يدرك الشخص شعور الالم.

يتم فك شيفرة الاشارات المرسلة من الجهاز العصبي المركزي ( النخاع الشوكي ) نحو الدماغ على مستوى المنطقة الجزيرية.
المنطقة الجزيرية هي منطقة في القشرة الدماغية و هي المسؤولة عن تفسير الإدراك و الوعي، و بالتالي على إدراك حس الالم و كيفية التعامل معه. تحتوي المنظقة الجزيرية على طبقتين، الطبقة الخارجية تختص بتوقع الألم، أما المنطقة الداخلية فهي تختص بتحديد مصدر الالم. حيث تتم معالجة حس الالم و فقا للاعتقادات المترسخة في العقل الباطن، و وفقا للتجارب السابقة التي اكتسبها الدماغ، فقد يُضخًّم الألم و قد يتم تقليصه.

الآلام المزمنة مثل الصداع النصفي أو القولون العصبي أو غيرها من الأمراض التي تستمر فيها الآلام لأكثر من 3 أشهر و ربما لسنوات، قد تؤثر سلبا على الدماغ و تضعف من بنيته، بسبب الضغط المستمر على القشرة الدماغية، مما يؤدي إلى التعرض لأمراض مرتبطة بالتغير في المزاج و الهرمونات مثل الاكتئاب، و أيضا إلى ظهور مبكر لأمراض مرتبطة بالشيخوخة مثل الضغط الدموي، الزهايمر ..

كيف يؤثر التامل على شعورنا بالالم

تخفيف الألم بالتامل لحظة تامل قانون الجذب و توكيدات ايجابية
كيف يؤثر التأمل على الألم

   يتباين الناس في كيفية تعاطيهم مع الالم و شدة شعورهم و تحملهم له. يخضع هذا التباين و بدون وعي منهم إلى العديد من العوامل النفسية،و الخلفيات، و الاسقاطات والتجارب السابقة. كذلك يخضع للحالة المزاجية لذلك الشخص لحظة حصول الالم. بمعنى في بعض الحالات يكون الانسان مركزا جدا في أمور أخرى فلا ينتبه للالم إلاّ بعد الاسترخاء و عودة التركيز على الذات.

لطالما كان للتامل فوائد عديدة لا تحصى، فوائد جسدية و نفسية. و لِكون الالم تجربة نفسية ذاتية أكثر من كونه تجربة جسدية بحتة، فإن جلسات التامل جدا فعالة في التخفيف من شدة الالم، و ربما القدرة على كبته، و هذا ما أظهرته العديد من الدراسات التي أجريت حول العلاقة الثنائية بين " التامل و الالم ".

التجارب السريرية

   أجريت دراسات سريرية في أوروبا و الولايات المتحدة الامريكية لدراسة تاثير التامل على شدة الشعور بالآلام و التحكم فيها. حيث أخضعت مجموعة من خبراء التامل و مجموعة أخرى غير ممارسين للتامل للفحص بالرنين المغناطيسي على مستوى الدماغ؛ مع إحداث الم طفيف في منطقة معينة و الإيحاء لهم قبلا بأنه سيحدث لهم ألم.

نتائج التجارب السريرية

   أظهرت نتائج الرنين المغناطيسي للدماغ، بعد إجراء التحليلات لمختلف التفاعلات التي نتجت بالمخ أثناء التجربة، أن المبتدئين أظهروا ردّات فعل حتى قبل حدوث التحفيز الألمي، واستمرت شدة هذا التفاعل صعودا بعد التحفيز. 

أما خبراء التأمل فلم يبدوا أي ردّات فعل قبلية، و تصاعدت شدة شعورهم بالالم بمجرد حدوث التحفيز لكن بمعدل أقل من المجموعة الاولى، ليستقر لفترة ثم يتناقص نزولا أثناء التجربة. كما أظهرت الدراسات أن الخبراء يمتلكون أو كونوا طبقة ثخينة كثيفة في المنطقة الجزيرية والمنطقة الجبهية.

يفسر العلماء و من خلال هذه النتائج أن ممارسي التأمل الخبراء، و بطريقة ما قد طوروا من كيفية تعاملهم مع الالم، و تمكنوا من برمجة العقل الباطن لديهم على التحكم في شدة الالم، فالالم فعلا موجود غير أنهم مرنين في التعاطي معه.

تقنيات تامل قد تساعد في التخفيف من الآلام

   يساهم التأمل و بشكل كبير في التخفيف من شدة وطأة الآلام، و في بعض الأحيان يتجاهلها تماما. و ينطبق هذا على الجميع مهما كان مصدر الالم و مهما كان السن. فكما هو معروف كبار السن هم أكثر حساسية للشعور بالالم. غير أن مفهوم " الالم مرتبط بالشيخوخة أو الشيخوخة مرتبطة بالالم" مفهوم خاطئ. 
بإمكانك أن تعيش شيخوختك بصحة و عافية و مرونة و توازن كبيرين، و العقل أو الدماغ هو السر في ذلك. إذا صفى البال صفى الحال.
 لذلك هناك الكثير من التقنيات و في وقتنا الحالي التي تساهم في الراحة الذهنية، و تقليل شدة الالام. حيث تساعد هذه التقنيات في تصفية الذهن و التحكم في الموجات الدماغية. و تجعل الجسم أكثر مرونة و تناغما، بالإضافة إلى مساهمتها في إفراز هرمون السيروتونين.

ممارسة اليوغا

   تعتبر ممارسة اليوغا من أقدم تقنيات التامل، إذ كانت عبارة عن ممارسة روحانية. غير أنه حاليا صار أشبه ما يقال عن اليوغا أنها ممارسة بدنية ترتكز على التركيز على الجسد و الذات. حيث تحتوي على مجموعة كبيرة من الوضعيات التي تساعد على الاسترخاء، و طرد التوتر، و التخلص من التشنجات العضلية و التقليل من الآلام.

التأمل الذهني اليقظ

   تقوم تقنية التأمل الذهني أو التامل اليقظ على التامل مع مراقبة كل ما يجري في جسدك من مشاعر و أفكار دون أي أحكام أو تفاعلات مع هذه الأفكار و المشاعر. هذا النوع من التامل مفيد جدا لإدراك ماهية و شعور الالم، و مراقبته دون التفاعل معه أو الحكم عليه.

ممارسة رياضة التاي تشي

   التاي تشي هو رياضة و تأمل في نفس الوقت. فهو فن قتالي صيني قديم غير تنافسي، يمارس في سلسلة من الحركات البطيئة بتركيز عالي ووتيرة تنفس عميقة. تساهم هذه التمارين في القليل من الضغط العصبي، و تساعد على مرونة و توازن الجسم، و تجعل كل تركيز العقل مع الذات و التركيز التام مع الحركات و تناغم التنفس.

ممارسة رياضة التشي غونغ

رياضة التشي غونغ تدعى أيضا برياضة: العقل و الجسد و الروح.

تأمل المانترا

   قديما كانت المانترا طقسا دينيا يقوم على انشاد الترانيم، و حاليا تستعمل للتخفيف من الضغوط و الاسترخاء، و ذلك بأخذ وضعية التامل المناسبة لك، و التأمل بإصدار صوت معين كترنيمة لعقلك لجعله أكثر تركيزا و هدوءا.

التأمل باستخدام التوكيدات 

التوكيدات الإيجابية جدا مهمة في برمجة العقل الباطن وفق قواعد برمجة العقل الباطن، و ذلك باستخدامها بشكل متكرر و مستمر، و خاصة أثناء التأمل قبل النوم أو بعد الاستيقاظ من النوم مباشرة. للتعمق أكثر في مفهوم التوكيدات و تطبيقاتها اقرأ هذا المقال حول التوكيدات الإيجابية.


يمكنك الحصول على شروحات و دروس أكثر، و أيضا على جلسات تامل و توكيدات على قناتنا على اليوتيوب Theta

المصادر:

Mindfulness meditation–based pain relief: a mechanistic account (nih.gov)

Meditation for Pain Relief: What to Know & How to Try It (healthline.com)

Meditation: In Depth | NCCIH (nih.gov)



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-